السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في الحلقة ال23 من برنامج قصص القران – ج2 في رمضان 1430 هجري الذي قدمه أستاذنا الكبير/عمرو خالد أجاب على احد الأسئلة عن المراجع التاريخية التي استخدمها في الإعداد لحلقات هذا البرنامج فقال بالحرف الواحد :
" كذلك لا أنسى كتاب ألأستاذ/ محمد عبد الرازق الجويلي وهو مهندس مصري ألف كتابًا رائعًا يثبت فيه بأدلة تاريخية وفلكية قاطعة أن رمسيس الثاني هو فرعون موسى وقد بذل به مجهودًا كبيرًا ".
و محمد عبد الرازق جويلي هو شخصي المتواضع ولقد تعرفت على أستاذنا الكبير/عمرو خالد منذ أكثر من عام ونصف في منتصف شهر رمضان 1429 هجري مصادفة أثناء تقديمه للجزء الأول من هذا البرنامج ولقد عرضت عليه كتابي عن فرعون موسى الذي يقع في 239 صفحة وكنت قد انتهيت منه لفوري ولقد كتبته في 8 سنوات فأعجب به ألاستاذ/عمرو كثيراً والتقينا عدة مرات وقرر ان يستعين به في حلقاته في شهر رمضان التالي 1430 هجري والتي خصصها لقصة موسى عليه السلام حيث بناها على أساس ان فرعون موسى هو رمسيس الثاني وهي الحلقات التي أبدع فيها أستاذنا الكبير / عمرو خالد واستطاع ان يصل باقتدار بين قصص القران وصفحات التاريخ القديم وآثاره وهذا الأمر الذي لم يعجب بعضاً من السادة التاريخيين ومتخصصي الآثار وعلى رأسهم د/ عبد الحليم نور الدين رئيس المجلس الأعلى للآثار سابقاً الذي علل رفضه الشديد لحلقات البرنامج مهدداً قناة المحور التي أذاعته لعدم تقديم ألاستاذ / عمرو خالد للأدلة التي اتهم فيها رمسيس الثاني ان يكون الفرعون المذكور في القران والتوراة مرتبطا بالنبي موسى .
بالإضافة لرفض رئيس المجلس الأعلى للآثار الحالي د-زاهي حواس الدائم لمقولة ان رمسيس الثاني هو فرعون موسى والتي ذكرها مراراً وتكراراً في لقاءاته مع الأعلام واذكر مره منهم في صبيحة يوم وصول تمثال رمسيس الثاني إلى مقره الأخير بالقرب من ميدان الرماية في المتحف الكبير الجديد في يوم الجمعة 25 أغسطس 2006 في الساعة 11 ظهراُ حيث قال بالحرف الواحد : أن رمسيس الثاني ليس فرعون موسى ولا فرعون الخروج وان هذا الفكر ليس إلا كلام فارغ .
وها نحن نقدم للسادة التاريخيين ومتخصصي الآثار جميعهم كبيرهم وصغيرهم ولمن يهمه الأمر نقدم إليهم الأدلة التي توصلت إليها متهماً رمسيس الثاني لأن يكون هو بعينه وشخصه ولحمه فرعوناً لموسى وليس أي فرعون آخر ,ولقد قدمت في كتابي أكثر من 12 دليل على ذلك , وهي الأدلة التي اقتنع بها الاستاذ / عمرو ولكنه لم يذكرها في حلقاته للحفاظ على سريتها لحين نشر الكتاب من خلال إحدى دور النشر والذي حاولت جاهداً حتى الآن كي أجد ناشراً يخشى الله ورسوله ويتبنى نشر كتابي الأول هذا والذي سوف اتبعه ان شاء الله بكتب عن سيدنا يوسف والملك صاحب رؤيا السبع بقرات وسيدنا إبراهيم والنمروذ وكل أنبياء بني إسرائيل وأزمانهم والممالك التي عاشوا فيها ومدى انطباق آيات القران عليها .
وهذا الكتاب أجازه فلكياً د- احمد إسماعيل خليفة – أستاذ مادة الفلك والحساب الفلكي بهندسة الأزهر ورئيس قسم التقاويم سابقاً كما أجازه دينياً الداعية الإسلامي الكبير / يوسف البدري , كما كتب مقدمته التاريخية الأثري الكبير د- طارق العوضي بالمجلس الأعلى للآثار.
واسمحوا لي أعزائي أعضاء المنتدى ان اعرض أهم هذه الأدلة وهي ثلاثة أدلة فلكية تتهم رمسيس الثاني ليكون فرعوناً لموسى وليس أي فرعون آخر دونما الخوض في كيفيتها لاحتياج ذلك للمعرفة الجيدة بعلم الحساب الفلكي الذي عشقته منذ أكثر من 12 عام والذي يطول شرحه ويكفيني ان اكبر أستاذ مسئول في الحساب الفلكي في مصر (د.احمد إسماعيل خليفة) قد أجازه كما أجاز لي عدة أبحاث فلكية في مثل هذا المجال من قبل .
واسمحوا لي أيضا ان اطرح عليكم بعد ذلك المزيد من الأسئلة التي أرجو الله ان تستعينوا بالمراجع التاريخية التي أسهبت في تحليلها لشخصية رمسيس الثاني وأهمها : كتاب مصر القديمة - سليم حسن - ج6 عصر رمسيس الثاني (وهذا المرجع يمكن لكم ان تسيفوه من مواقع كثيرة بالنت) و كتاب رمسيس الثاني فرعون المجد والانتصار - تأليف كنت ا. كتشن - ترجمة د. احمد زهير امين - مراجعة د. محمود ماهر طه وكتاب زوجات رعمسيس الثاني وبناته وأبناؤه – كريستيان ليبلان - ترجمة ماهر الجويجاتي وغيرها وكذلك المراجع الدينية وأهمها أمهات كتب التفسير لمتابعة دقائق قصة موسى كما جاءت بالقران وسفر الخروج بالتوراة والتي استخلصت منها أدلتي التي تتهم رمسيس فرعوناً لموسى لأني أريد من كل قلبي ان تشاركوني الرأي والفكر وربما زدتم الأدلة ال12التي توصلت إليها بفكركم الثاقب ل 20 دليل أو 30 أو أكثر كلها يتهم رمسيس الثاني لكي نواجه معاً رجال التاريخ والآثار بالعشرات من الأدلة التي تتهم رمسيس لعلهم يرجعون .. ولسوف أبدأ الآن بالأدلة الفلكية والله الموفق وهي :
1- عاشوراء الزينة : قال موسى "قال موعدكم يوم الزينة وان يحشر الناس ضحى" طه قال ابن عباس عن يوم الزينة : انه كان أول أيام سنتهم (نيروزهم) وكان يوم عاشوراء وكان يوم السبت .. بالحساب الفلكي لهذا اليوم توصلت إلى انه كان يوم السبت 9 يوليو 1266 ق.م الموافق 10 محرم 1945 ق. هـ وان هذا اليوم لم يتكرر في التاريخ المصري من قبل بمعنى انه لم تتوافق أيام 1 توت مع 10 محرم مع يوم السبت في يوم واحد إلا في يوم 9 يوليو 1266 ق.م .. وعام 1266 ق.م يقع بالتأكيد في فترة حكم رمسيس الثاني في كل الاحتمالات حيث شهدت فترة حكمه ال67 سنة اختلافات بين المؤرخين (1302 :1235) و (1292 : 1225) و (1279 : 1212) ق.م وهذا الدليل لا ينطبق على أي فرعون أو أي ملك في العالم إلا على رمسيس الثاني وحده .
2- عاشوراء الخروج : أحاديث عاشوراء المشهورة بينت أن فرعون غرق في يوم عاشوراء حيث أنه عندما هاجر الرسول للمدينة فوجد اليهود صائمون في يوم عاشوراء فسألهم عن سبب صيامهم فقالوا : في مثل هذا اليوم نجى الله موسى وأغرق فرعون فصامه موسى لهذا نصومه فقال رسول الله : نحن أولى بموسى منكم وأمر بصيامه .
بالحساب الفلكي لهذا اليوم باستخدام قصة الخروج في كما جاءت في القران والتوراة والأحاديث النبوية والتعرف الجغرافي على خط سير الخروج الأشهر من قرية قنتير بالشرقية حتى أول خليج السويس وحساب طوله الذي يصل إلى 200 كم وكلها يبين ان الخروج استغرق أكثر من 20 يوم توصلت باستخدام الحساب الفلكي إلى يوم عاشوراء الذي توافق فيه 10 محرم مع 10 أيار الذي وافق فصل الربيع توصلت إلى انه كان يوم السبت 28 ابريل 1227 ق.م الموافق 10 محرم 1905 ق. هـ الموافق 10 أيار2534عبري وهذه حالة فلكية نادرة , وهذا التاريخ هو الأقرب لتاريخ وفاة رمسيس رغم اختلاف تاريخ وفاته لدى المؤرخين بين 1235 و 1212 ق.م . وهذا التاريخ يثبت أن تاريخ يوم الزينة السابق كان في السنة ال27 من حكم رمسيس لأنه لم يكن باق على حكم رمسيس سوى 40 سنة .
ولقد أجاز هذه التواريخ د.احمد إسماعيل خليفه أستاذ مادة الفلك بهندسة الأزهر ورئيس قسم التقاويم وقال فيه : "الجديد في هذا البحث استخدامه للقران الكريم والتوراة والأحاديث النبوية وروايات الصحابة وعلم الحساب الفلكي والمراجع التاريخية والأثرية في آن واحد".
كما اشترط د.طارق العوضي الأثري بالمجلس الأعلى للآثار والمكلف من د. زاهي حواس رئيس المجلس لإجازة الكتاب اشترط صحة رواية ابن عباس التي بنى عليها المؤلف كل نتائجه حيث قال في مقدمته للكتاب ما نصه : إن رواية ابن عباس إن صحت فما من مجال لمعارضة ما جاء به المؤلف من تواريخ محددة لاحداث ورد ذكرها في الكتب الدينية والعكس صحيح .
3- الأربعين سنة : قوله تعالى "وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من اله غيري" القصص, وقوله "فحشر فنادى فقال أنا ربكم الأعلى" النازعات .. قال ابن عباس وغيره :" أنه بين قول فرعون "ما علمت لكم من اله غيري" وقوله "أنا ربكم الأعلى" قال بينهما أربعون عاماً . وكذلك جاء في تفسير قوله تعالى : "فأخذه الله نكال الآخرة والأولى" أن بينهما أربعون عاماً , وعندما دعا موسى وهارون على فرعون في يوم الزينة جاء في تفسير قوله تعالى في سورة يونس "وقال موسى ربنا انك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالاً في الحياة الدنيا .. الآية فقال تعالى :"قد أجيبت دعوتكما فاستقيما" يونس جاء في التفاسير أن بين الدعاء والاستجابة أربعون عاماً . ونحن إذا راجعنا تاريخ يوم الزينة فنجده 10 محرم 1945 ق. هـ وتاريخ يوم غرق فرعون فنجده 10 محرم 1905 ق. هـ سنجد أن بينهما أربعون عاما بالتمام والكمال . والذي يراجع أحداث ال67 سنة التاريخية التي حكمها رمسيس يجد أن كل أعماله الكبرى التي مجدته مثل حملاته ال5 على سوريا ومنها موقعة قادش الشهيرة ومعاهدة السلام مع الحيثيين وبناءه لمعابده الكبرى قد حدثت في ال27 سنة الأولى منها ولم يحدث أي شيء هام في ال40 سنة الباقية لأنه انشغل بموسى وآيات الله ال9 التي عاقبه بها.
*****************************************************************
فرعون موسي
صورة لرأس مومياء رمسيس الثاني فرعون موسى
الدكتور رشدي البدراوي
أستاذ بجامعة القاهرة وباحث وكاتب إسلامي
بعد غرق فرعون(رمسيس الثاني) أثناء مطاردة بني إسرائيل، قام أفراد البلاط
الملكي ممن نجا من الغرق بتحنيط الجثة ونقل التابوت بواسطة مركب في النيل
إلى طيبة يصحبها مراكب أخرى فيها الكهنة والوزراء وعظماء القوم ثم سحب
التابوت إلى المقبرة التي كان قد أعدها رمسيس الثاني لنفسه في وادي
الملوك.
وفي كل هذه المراحل كانت تتلى الصلوات وتؤدى الطقوس الجنازية المناسبة.
وبهذا انتهت حياة فرعون من أعظم الفراعين. إن لم يكن أعظمهم على الإطلاق.
وإن كان الستار لم يسدل على قصته. إذ قدر له أن يعود إلى مسرح الأحداث من جديد في عصرنا الحالي.
وبعد موت الفرعون انتشرت جماعات اللصوص. وزادت جرأتها على سرقة المقابر
الملكية وشجعهم على ذلك ما كانت تحويه من كنوز عظيمة من حلي وأثاث جنازي.
ولعله كان في قرارة أنفسهم أنهم يستردون ما سبق أن أخذه هؤلاء الملوك وهم
أحياء منهم ومن آبائهم وأجدادهم.
وضبط اللصوص وعوقبوا أكثر من مرة ثم صارت هذه العملية مهنة الكثيرين حتى
إن مقابر كل ملوك الأسرات الثامنة عشرة والتاسعة عشرة والعشرين فيما بعد
قد نُهبت ولم يسلم منها سوى مقبرة أمنحتب الثاني ومقبرة توت عنخ آمون
الشهيرة. ومن مظاهر استهزاء الناس بالفراعنة هو تمثيلهم في رسوم مجونية
بعيدة عن الأدب. مثال ذلك رسم يمثل رمسيس الثالث على شكل أسد يلعب الشطرنج.
واستمر نهب المعابد والمقابر وتزايد. ووجهت الاتهامات إلى عمدة طيبة
الغربية ورئيس الشرطة والمسؤل عن سلامة المقابر وتمت معاقبة المسؤلين كما
هو مُدون في برديات موجودة بالمتحف البريطاني. ولكن السرقات استمرت.
واستقر رأي كهنة آمون على الحفاظ على جثث الفراعنة وبالذات جثة رمسيس
الثاني فأعيد لفها في كفن خارجي جديد ووضعت في تابوت خشبي عادي للتمويه
وتم دفنه في مقبرة والده سيتي الأول مع مجموعة أخرى من جثث الفراعنة
السابقين وسُجِّل على الكفن أن ذلك تم في اليوم الخامس عشر من الشهر
الثالث في السنة 24 من حكم رمسيس الحادي عشر. ولما كان رمسيس الحادي عشر
هو آخر فراعنة الأسرة العشرين وحكم 27 سنة فإن العام الذي أعيد فيه تكفين
ودفن جثة رمسيس الثاني كان في عام 1089 ق.م أي بعد وفاته بـ 127 سنة. ولكن
العبث بالمقابر الملكية لم يتوقف. وفي عصر الأسرة الحادية والعشرين حينما
توفي كبير كهنة آمون "بينودجيم الثاني" قرر زملاؤه الكهنة إنهاء العبث
بجثث الفراعنة فجمعوا جثثهم واتخذوا من دفن كبير الكهنة ستاراً ودفنوا
الجميع في قبر الملكة " إنحابي" بالدير البحري والذي تم توسعته ليتسع
لجميع جثث الفراعنة منذ عصر الأسرة الثامنة عشرة. وأغلقوا القبر ـ وسجلوا
أن ذلك قد تم في السنة العاشرة من حكم الملك " سيامون " في عام 969 ق.م.
وردموا المدخل تماماً وضيعوا المعالم حوله حتى لا يستدل عليه اللصوص فبقي
القبر الجديد سالماً من عبث اللصوص لأكثر من 2800سنة ونسي تماما وسمي "
خبيئة الدير البحري" ويحتوي على جميع المومياوات ومن بينها مومياء رمسيس
الثاني.
أين الآية ؟
يمكننا أن نقول إن من عرف بغرق الفرعون عدد محدود هم رجال البلاط والكهنة
وإن تسرب النبأ إلى بعض العامة. المهم إن الفرعون توفي كما توفي غيره من
الفراعين الذين سبقوه.
وعلى العموم فقد بلغ من العمر أرذله حيث بلغ 90 عاماً وحكم مصر 67 عاماً
ولذلك لم يستغرب الناس وفاته. ومن عرف أنه غرق أثناء مطاردته لبني إسرائيل
وراجع تعنته معهم ورفضه إطلاق سراحهم أيقن أن الله كان مع بني إسرائيل
ونصرهم عليه وكان في غرقه أثناء مطاردته لهم آية ودليل بالغ على انتصار
الحق في النهاية مهما بلغت قوة الظلم في البداية.
بعد مطاردته لبني إسرائيل فمن عرف بغرقه أيقن أن موسى على حق وأنه كان على باطل وبعد غرقه تم تحنيطه من قبل أفراد البلاط والكهنة.
قال الله تعالى:{وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ
وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } [البقرة: 50].
إلى هنا والغرق في حد ذاته هو الآية وحتى لو لم توجد جثته فيكفي أن هذا
الفرعون الذي تكبر وتجبر وعذب وسخر قد غرق – وهذا في حد ذاته آية، بقي أن
نعرف معنى قوله تعالى:
{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً
وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ } [يونس:
92].
ولنعرف الآية المقصودة علينا أن نستكمل ما حل بهذا البدن الذي أنجاه الله.
قلنا إن مومياوات الفراعنة قد أعيد دفنها في خبيئة الدير البحري في عام
696 ق.م وطمست الرمال مدخل القبر ونُسِي الأمر، ومرت قرون، وفي عام 1872م
عثر فلاح مصري هو وإخوته مصادفة على مدخل خبيئة الدير البحري وأخفوا
اكتشافهم وظلوا يترددون على المقبرة سراً يأخذون ما خف وزنه وغلا ثمنه مثل
الجواهر والحلي والأواني التي تحنط فيها الأحشاء وغيرها يبيعونها ويقتسمون
ثمنها وكما يقال: إذا اختلف اللصوص ظهر المسروق، فقد اختلف الإخوة وراح
أحدهم إلى قسم البوليس واعترف بالأمر بعد أن كانت قد مرت 10 سنوات على
اكتشافهم له وفي 6 يوليو عام 1881م ذهب مسئولون من هيئة الآثار المصرية
ونزلوا إلى المقبرة وبواسطة 300 من العمال أمكنهم في مدة يومين نقل كل
محتويات خبيئة الدير البحري من جميع مومياوات الفراعين وأثاث جنازي في
باخرة إلى القاهرة حيث أودعت في المتحف المصري في بولاق، ويقول خبير
الآثار إبراهيم النواوي إنه في عام 1902 بعد نقل مومياء رمسيس الثاني قام
بفك اللفائف لإجراء الكشف الظاهري على المومياء ولمعرفة ما يوجد تحت
اللفائف وهل هناك مجوهرات أو تمائم أو غير ذلك والذي حدث هو أن اليد
اليسرى للملك رمسيس الثاني ارتفعت إلى أعلى بمجرد فك اللفائف وهي فعلا
تبدو لافتة للنظر بالنسبة لغيرها من المومياوات ( الفرعون الذي يطارده
اليهود – كتاب اليوم – سعيد أبو العينين – ص 60) وهو وضع غير مألوف
بالنسبة للمومياوات الأخرى التي بقيت أيديهم – بعد فك اللفائف مطوية في
وضع متقاطع فوق صدورهم كما هو واضح من مومياء مرنبتاح ومما قاله أحد علماء
الآثار عند مشاهدته للمومياء، عجيب أمر هذا الفرعون الذي يرفع يده وكأنه
يدرأ خطراً عن نفسه !! لعل قائل هذه الكلمات وهو يلقيها – مجازاً أو
تهكماً – لم يخطر بباله أنه قد أصاب – دون أن يدري – كبد الحقيقة، وأنه قد
قدم التفسير المحتمل لهذا الوضع الغريب لليد اليسرى لمومياء رمسيس الثاني،
وتصورنا لما حدث منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام وبالتحديد قبل 3223 عاماً
(1225 ق.م + 1998م) كما هو يلي:
قلنا إن فرعون – وجيشه يتبعه – وصل إلى شاطئ البحر فوجد طريقاً مشقوقاً
وسط الماء فسار فيه وتبعه الجيش بجميع عرباته، وبدت على وجوه الجميع بسمة
الانتصار فما هي إلا ساعة أو بضع ساعة ويتم اللحاق ببني إسرائيل الهاربين
وتتم إعادتهم إلى مصر ثانية ولكن قبل النهاية بقليل بدأت قوائم الخيل
وعجلات المركبات تغوص في الوحل، ونزل الجنود ليدفعوا العربات المكسورة
جانباً لتمر العربات الأخرى، وغاصت البسمة من وجه رمسيس الثاني، وبدأ
القلق يتملكه – لماذا في هذه المنطقة بالذات بدأ الوحل ؟ وقد مرت منه جموع
بني إسرائيل وبقرهم وماشيتهم وفيها من الثيران ما هو أثقل من المركبات ولم
تغص أرجلهم في القاع، ولم يجد بدّاً من الانتظار حتى ينتهي جنوده من تخليص
مركبته من الوحل، ونظر ولم يصدق عينيه، ما هذا ؟ إنها موجة هائلة من
المياه قادمة نحوه، يا للهول، لقد بدأ البحر ينطبق، والمياه قادمة تجاهه
هادرة مزمجرة، وبحركة لا شعورية رفع يده اليسرى الممسكة بدرعه يتقي بها
موجة المياه المتدفقة نحوه وكانت لطمة المياه من الشدة وقبضة يده من القوة
بحيث حدث تقلص في عضلات ذراعه الأيسر وثبتت ذراعه ويده على هذا الوضع –
ولما غشيته المياه وفارقته الحياة ظلت يده على هذا الوضع !
ولا بأس من أن نتوقف قليلاً لنذكر التغيرات التي تحدث في الجثة – أي جثة –
بعد الوفاة، ومن المعروف طبعاً أن العضلات هي التي تسبب الحركة في الكائن
الحي، والعضلة تتكون من خلايا عضلية، والخلية العضلية تتكون من خيوط عضلية
وهي نوعان خيوط سميكة وخيوط رفيعة مرتبة في تبادل على طول العضلة وعند
الرغبة في تحريك مفصل ما يصدر أمر من المخ يسري في العصب ويصل إلى العضلة
المسؤولة عن حركة المفصل، والتيار الكهربي الصادر من المخ ينتج عنه
تفاعلات كيميائية متعددة في موضع الاتصال العصبي العضلي تنتهي بأن تنشط
خميرة خاصة تسبب تكسّر بروتين معين هو A. T. P. فيعطي الطاقة اللازمة
للحركة فتنزلق الخيوط العضلية السميكة متداخلة بين الخيوط العضلية الرفيع
فيقصر طول الخلية العضلية أي يحدث انقباض العضلة وتحدث الحركة المطلوبة.
بعد الوفاة تحدث في الجسد المراحل التالية:
1- بعدما تغادر الروح الجسد تقف كلية أي إشارات صادرة من المخ وترتخي جميع عضلات الجسم وهذا يسمى الارتخاء الأولي.
2- بعد ساعتين يبدأ انقباض لعضلات الجسم كلها وهذا يسمّى مرحلة التيبس
الرمّي Rigor Mortis ويحدث التيبس في ترتيب بدءاً بالرأس وانتهاء بالقدم،
فتيبّس عضلات الوجه والرقة ثم الصدر فالذراعين ثم الفخذين وأخيراً عضلات
الساقين، ويستمر التيبس الرمي لمدة 12 ساعة تقريباً ويصعب إحداث أي تغيير
في وذع الأعضاء أثناءه ولذلك يقوم من حضروا الوفاة بقفل جفون العينين
أثناء الارتخاء الأولي حتى لا تظل العينان مفتوحتين فيما بعد.
3- بعد ذلك تبدأ البروتينات المكونة للعضلات في التحلل وترتخي العضلات
ثانية وهذا يسمى الارتخاء الثانوي ويبدأ أيضاً من الرأس إلى القدم.
4- ثم يعقب ذلك المرحلة الأخيرة وهي التعفُّن.
هذه هي المراحل التي يمر بها الجسد في حالة الوفاة العادية، أما في حالات
الوفيات غير الطبيعية – ولنأخذ كمثال حالات الانتحار، والشخص الذي يقدم
على الانتحار يكون في حالة توتر عصبي شديد يبلغ أقصاه في اللحظة التي يزهق
فيها روحه ويحدث انقباض في الحال في عضلات الجسم كلها وذلك يسمى التوتر
الرمّي Cadaveric Spasm ( بدلاً من الارتخاء الأولي ) ويعقبه التيبّس
الرمي وتظل العضلات منقبضة، وكثيراً ما يجد الأطباء الشرعيون يد المنتحر
قابضة على المسدس المصوب إلى الرأس ولا يمكن تخليص المسدس إلا بعد أن يحدث
الارتخاء الثانوي كذلك قد يجدون يد القتيل وقد قبضت على قطعة من ملابس
القاتل أو خصلة من شعره ويكون هذا أول الخيط الذي يتبعه المحققون لتحديد
شخصية القاتل فيقبض عليه وينال جزاءه كذلك في حالات الغرق يحدث توتر رمي
في اللحظات الأخيرة وكثيراً ما توجد أيدي الغرقى قابضة على قطعة صغيرة من
الخشب أو حفنة من طين القاع.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]مومياء رمسيس الثاني ملفوفة بلفائف الكتان قبل نزعها( المتحف المصري)
وذلك ما حصل لرمسيس الثاني في لحظة الغرق، إذ بلغ به التوتر العصبي الشديد
أقصاه فحدث التوتر الرمّي وتيبّست يده اليسرى على الوضع التي كانت فيه
ممسكة بالدرع تتقي به المياه، ولعل لطمة المياه كانت من الشدة بحيث أفلتت
الدرع من قبضة يده ولكن اليد ظلت في هذا الوضع وحدث التوتر الرمي وأعقبه
التيبّس الرمي، وكان المفروض أن يحدث الارتخاء الثانوي بعد 12 أو 20 ساعة،
ولعله حدث في كل أجزاء الجسم إلا في اليد اليسرى فقد بقيت عضلاتها في
الانقباض الذي كانت عليه لحظة الغرق ولاحظ المحنطون ذلك وكلما وضعوا
الذراع إلى جانبه أو ضموها إلى صدره عادت لترتفع ثانية إلى هذا الوضع وتم
التحنيط ودهنت الجثة بالزيوت والرتنجات والمراهم وتسرب بعضها إلى العضلات
والمفاصل وأصبحت العضلات مثل المطاط واحتفظت المفاصل بنعومتها، وكلما
أعادوا اليد إلى الصدر ارتفعت ثانية فأحكموا ربطها إلى الصدر باللفائف
التي كانت تلف بها الجثة وظلت مربوطة إلى صدره، ورمت قرون وقرون وأكثر من
ثلاثة آلاف عام، ولما عثر على الجثة في خبيئة الدير البحري ونقلت إلى متحف
بولاق وقام خبير الآثار عام 1902 بفك الأربطة قفزت اليد إلى الوضع الذي
تيبست عليه لحظة الغرق وهي ممسكة الدرع ليحمي الفرعون نفسه من لطمة موجة
المياه القادمة نحوه !
نحن الآن أمام ظاهرة فريدة لا يوجد مثلها في مومياوات الفراعين الآخرين،
ولم يتمكن أحد من علماء الآثار تفسيرها ولا يستطيع الطب الشرعي أن يفسر
لماذا لم يحدث الارتخاء الثانوي في هذه اليد بالذات، وكيف احتفظت العضلات
بخاصة الانقباض أو اكتسبت خاصية مطاطية في هذه اليد بالذات، وكيف احتفظت
العضلات أو اكتسبت خاصية مطاطية بحيث تعيد اليد إلى هذا الوضع بعد ما يزيد
عن ثلاثة آلاف سنة، إن قطعة من المطاط الحقيقي لو ظلت مشدودة لمائة عام
فمن المؤكد أنها ستفقد خاصيتها المطاطية ولن تعود إلى الانكماش ثانية، فما
بالنا بعضلة مفروض ألا تنقبض إلا بأمر صادر من المخ، وحدث بها توتر رمى
أعقبه تيبس رمى، ثم لا يحدث – كما هو مفروض – ارتخاء ثانوي وتظل الخيوط
السمكية والرفيعة محتفظة بترتيبها وخاصيتها لعدة آلاف من السنين، وما إن
يتم فك لفائف الكتان عن اليد حتى تنزلق الخيوط السمكية بين الخيوط الرفيعة
فيقصر طول العضلة وترتفع اليد أليس هذا خرقاً لكل ما هو معروف من نواميس
الطبيعة ؟ وتعريف المعجزة أنها خرق لنواميس الطبيعة، ولا يكون أمامنا إلا
التسليم بأن اليد اليسرى لرمسيس الثاني هي الآية و(من خلفك ) هم الأجيال
منذ بداية هذا القرن وتحديداً منذ عام 1902 عندما اتخذت يد رمسيس الثاني
هذا الوضع بعد فك اللفائف عنها، وإن كان كثر من الناس قد غفلوا عن مغزاها
إلى أن تم لفت النظر إليها.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]مومياء رمسيس الثاني منظر أمامي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]مومياء رمسيس الثاني منظر جانبي يوضح اليد اليسرى مرفوعة وهو وضع مغاير لجميع المومياوات الأخرى
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]مومياء رمسيس الثاني منظر جانبي يوضح اليد اليسرى مرفوعة منظر آخر بزاوية مغايرة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]مومياء مرنبتاح واليدان متقاطعتين ومستريحتان على الصدر
{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً
وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ } [يونس:
92].
بقيت كلمة.. هي قوله تعالى:
{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ
السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } [غافر: 46].
وجميع المفسرين يرون أن هذا العرض يكون في البرزخ بالإضافة إلى أشد العذاب
الذي سيدخله آل فرعون يوم القيامة فيكون العرض على النار غدواً وعشياً
نوعاً من عذاب القبر، وفي حديث صخرة بن جويرة عن ابن عمر قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (إن الكافر إذا مات عرض على النار بالغداة
والعشي ثم تلا: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا }
وإن المؤمن إذا مات عرض روحه على الجنة بالغداة والعشي ) تفسير القرطبي جـ
15 ص 319).
نقطة أخيرة قبل أن نترك موضوع رمسيس الثاني فقد اقترح البعض تحليل مومياء
رمسيس الثاني وتقدير نسبة الملح في الأنسجة للحصول على دليل على غرقه في
ماء البحر المعروف بملوحته، ولكن ما سبق أن ذكرناه في مراحل التحنيط أن
الجثة – بعد إفراغها من الأحشاء – تملأ بملح النطرون المركز يجعل مثل هذا
التحليل غير مجدي.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]صورة لبعض الأكواب التي كان يستعملها رمسيس الثاني
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]خاتم ذهبي كان يرتديه رمسيس الثاني (المتحف المصري)
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]كرسى العرش الذهبي الذي كان يجلس عليه الفراعنة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]العربة الذهبية التي كان يركبها الفراعنة أثناء تنقلاتهم حيث كانت تجرها الخيول
يقول الله تعالى عن فرعون وجنوده (كم تركوا من جنات وعيون*وزروع ومقام
كريم* ونعمة كانوا فيها فكهين * كذلك وأورثناها قوما آخرين) [الدخان].
المصدر: كتاب موسى وهارون عليهما السلام من هو فرعون موسى؟ تأليف الدكتور رشدي البدراوي الأستاذ بجامعة القاهرة